الإشکال فی الاحتیاط فیما قامت الأمارة علی خلافه
ربّما یقال : إنّه یعتبر فی الاحتیاط فیما إذا قامت الحجّة الشرعیة علی أحد الطرفین أن یعمل المکلّف بمؤدّی الحجّة ، ثمّ یعقّبه بالعمل علی خلاف مقتضاه ؛ إحرازاً للواقع . نعم فیما إذا لم یستلزم التکرار له أن یأتی بالواجب بعامّة أجزائه الواجبة والمحتملة .
والسرّ فیه : أنّ معنی حجّیة الطریق هو إلغاء احتمال کون مؤدّاه مخالفاً للواقع ، فلو قدّم فی مقام العمل علی ما قامت الحجّة علی خلافه فهو اعتناء لاحتمال المخالفة لا إلغاء .
وأیضاً أنّه یعتبر فی حسن الإطاعة الاحتمالیة عدم التمکّن من الإطاعة التفصیلیة ؛ فإنّ للإطاعة مراتب عقلاً :
الأوّل : الامتثال التفصیلی . الثانی : الامتثال الإجمالی . الثالث : الامتثال الظنّی . الرابع : الامتثال الاحتمالی .
ولا یجوز الانتقال من المرتبـة السابقـة إلی اللاحقـة إلاّ بعد التعذّر عن السابقة ؛ لأنّ حقیقة الإطاعة هی أن تکون إرادة العبد تبعاً لإرادة المولی ؛ بانبعاثه
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 422 عن بعثه وتحرّکه عن تحریکه ، وهذا یتوقّف علی العلم بالبعث ، ولایمکن الانبعاث بلا بعث واصل .
والانبعاث عن البعث المحتمل لیس فی الحقیقة انبعاثاً ، فلا تتحقّق معه الإطاعة ، إلاّ أنّه یتوقّف حسن ذلک علی عدم التمکّن من الانبعاث عن البعث المعلوم الذی هو حقیقة العبادة والطاعة .
وفیما ذکر مواقع للنظر :
منها : أنّه إن اُرید من إلغاء احتمال الخلاف عدم جواز العمل علی الاحتمال المخالف ـ ولو من باب الاحتیاط ـ فهو أوّل الکلام ، وإن اُرید لزوم العمل علی طبقها وفرض مؤدّاه مؤدّی الواقع فهو أمر مسلّم ، ولکن لایفید ما استنتج منه القائل ، کما لایخفی .
وأمّا عدم جواز الاکتفاء بالاحتمال المخالف فلیس ذلک لأجل عدم جواز العمل بالاحتمال المخالف ، بل لأجل کونه طرداً للأمارة المعتبرة شرعاً .
منها : لو سلّمنا أنّ معنی إلغاء احتمال الخلاف عدم جواز العمل علی طبق الاحتمال المخالف فالعمل علی طبقه عین الاعتناء بهذا الاحتمال ؛ سواء عمل به قبل العمل بمؤدّی الأمارة أم بعده ، لزم منه التکرار أولا . فلاوجه للتفصیل بینهما ـ کما لایخفی ـ إلاّ أن یدّعی أنّ الأدلّة الدالّة علی لزوم إلغاء احتمال الخلاف منصرف عن الموردین ، وهو کما تری .
وما ذکر : من أنّ العقل یستقلّ بحسن الاحتیاط بعد العمل بالوظیفة حسن ،
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 423 لکنّه مستقلّ مطلقاً لأجل إحراز الواقع ، من غیر فرق بین الصور .
منها : أنّ ما ذکره من حدیث المراتب فی الإطاعة ممّا لا دلیل علیه ؛ فإنّ العقل إنّما یستقلّ بوجوب الإتیان بتمام ما وقع تحت دائرة الطلب ، مع جمیع قیوده وشروطه ؛ سواء أتی به بالأمر القطعی أو باحتماله . فلو احتمل وجوب الجمعة مع التمکّن عن العلم التفصیلی وأتی بها باحتمال الأمر صـحّ لو وافق المأتی مـع المأمور به .
وما أفاده : من أنّ الإطاعة هو انبعاث العبد عن بعث المولی ، وهو لایحصل إلاّ بالعلم التفصیلی .
ممنوع ؛ إذ فیه أوّلاً : ما قدّمناه من أنّ الباعث حقیقة هو المبادئ الموجودة فی نفس المکلّف ؛ من الخوف والرجاء ، وأمّا الأمر فلیس له شأن سوی کونه محقّقاً لموضوع الطاعة .
وثانیاً : لایتوقّف عبادیة الشیء علی الأمر ؛ فضلاً عن باعثیته ؛ إذ لیست الغایة إطاعة أمر المولی حتّی یتوقّف علی ما ذکر ، بل الغایة کون المأتی به موافقاً لغرضه بما له من القیود والشروط ؛ سواء أمر به أم لم یأمر . کما إذا لم یأمر لغفلة لکن لو توجّه لأمر به ، کإنقاذ ولده الغریق ؛ فإنّ القیام بهذا الأمر مقرّب ومستوجب للثواب . ونظیره لو سقط أمر الضدّ لابتلائه بالمزاحم الأقوی ، علی القول بامتناع الترتّب .
وثالثاً : یمکن أن یقال : إنّ الآتی بالشیء لاحتمال أمره یصدق علیه الإطاعة عرفاً ؛ لأنّ الباعث ـ علی أیّ حال ـ لیس هو الأمر کما تقدّم ، والمبادئ الباعثة موجودة فی عامّة الصور . فالمسألة واضحة .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 424