تنقیح محلّ النزاع فی المقام
اختلفت الآراء فی کون العلم بالحکم إجمالاً هل هو علّة تامّة لوجوب الموافقة وحرمة المخالفة ، أو مقتضٍ بالنسبة إلیهما ، أو علّة تامّة بالنسبة إلی أحدهما دون الآخر ؟ یظهر الثمرة فی إمکان الترخیص بالنسبة إلی بعض الأطراف أو کلّها .
وبما أنّ محلّ النزاع غیر منقّح فی کلام الأجلّة ـ حتّی أنّ الشیخ الأعظم لا یخلو کلامه عن اختلاط ـ فنقول : إنّ تنقیح البحث یحتاج إلی البحث فی مقامین :
الأوّل : إذا علم علماً وجدانیاً لا یحتمل الخلاف بالتکلیف الفعلی الذی لا یرضی المولی بترکه فلا شکّ أنّه یجب تحصیل الموافقة القطعیة وتحرم المخالفة ـ قطعیها أو محتملها ـ ولا مجال للبحث عن جواز الترخیص فی بعضها أو جمیعها ـ کانت الشبهة محصورة أو غیر محصورة ـ لا لأجل کون القطع منجّزاً أو کون تحصیل الموافقة واجباً أو تحصیل المخالفة حراماً ، بل لأجل لزوم اجتماع النقیضین ؛ قطعاً أو احتمالاً .
ضرورة أنّ القطع بالإرادة الإلزامیة لا یجتمع مع احتمال الترخیص ـ فضلاً
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 178 عن القطع به ـ فإنّ الترخیص فی بعض الأطراف ـ ولو کانت الشبهة غیر محصورة ـ مع احتمال انطباق الواقع علی المورد المرخّص فیه ـ وإن کان ضعیفاً ـ لا یجتمع مع الإرادة الإلزامیة الحتمیة ، ولا أظنّ أنّ العلمین ـ الخوانساری والقمی ـ جوّزا الترخیص فی هذه الصورة .
وأمّا الشیخ الأعظم قدس سره فیظهر من بعض کلماته کون النزاع عامّاً یشمل المقام الأوّل ؛ حیث جعل المانع عن جریان الاُصول لزوم الإذن فی المعصیة ووجود المانع عن جریانه فی عالم الثبوت ؛ وإن کان یظهر من بعض کلماته کون النزاع فی غیر هذا المقام ، وهذا هو الذی یصلح أن یبحث عنه فی باب القطع .
المقام الثانی : إذا علمنا حرمة شیء أو وجوبه ، لا بعلم وجدانی بل بشمول إطلاق الدلیل أو عمومه علی المورد ـ کما إذا قال : «لا تشرب الخمر» ، وشمل بالإطلاق علی الخمر المردّد بین الإنائین ـ فهل یمکن الترخیص بأدلّة الاُصول بتقیید إطلاق الدلیل أو لا ؟ وهذا هو الذی ینبغی أن یبحث عنه فی المقام .
ومثله إذا علم إجمالاً بقیام حجّة علی هذا الموضوع أو ذاک ، کما إذا علم بقیام أمارة معتبرة إمّا بوجوب صلاة الظهر أو الجمعة ، إلی غیر ذلک ممّا یعدّ من أقسام المتباینین .
ویظهر من بعض کلمات الشیخ الأعظم : أنّه محطّ البحث ؛ حیث استدلّ علی حرمة المخالفة القطعیة بوجود المقتضی للحرمة وعدم المانع عنها : أمّا ثبوت
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 179 المقتضی فلعموم دلیل تحریم ذلک العنوان المشتبه ؛ فإنّ قول الشارع : «اجتنب عن الخمر» یشمل الخمر الموجود المعلوم بین الإنائین . . . إلی آخر ما أفاده .
ومن ذلک : ما أفاده فی ذیل المطلب الثانی ؛ حیث قال : الکلام یقع فی مثل ما ذکرنا فی أوّل الباب ـ أی الشبهة التحریمیة فی الشکّ فی المکلّف به ـ لأنّه إمّا یشتبه الواجب بغیر الحرام من جهة عدم النصّ المعتبر أو إجماله أو تعارض النصّین ، أو من جهة اشتباه الموضوع ؛ أمّا الاُولی : فالکلام فیه إمّا فی جواز المخالفة القطعیة فی غیر ما علم بإجماع أو ضرورة حرمتها . . . إلی آخر ما أفاده .
فهذه الکلمات وأضرابه یعیّن محطّ البحث ، وأنّ البحث فی غیر ما علم وجداناً وجود تکلیف قطعی لا یرضی المولی بترکه .
ثمّ إنّ للمقام الثانی صورتین :
الاُولی : إذا علم المکلّف ـ علماً جازماً ـ بأنّ التکلیف الواقعی علی فرض تحقّقه فعلی لا یرضی المولی بترکه . وهذه الصورة أیضاً خارجة عن محطّ البحث ؛ لأنّه مع العلم بفعلیة التکلیف علی فرض تصادف الأمارة للواقع وتصادف المحتمل للأمارة لا یمکن الترخیص الفعلی بجمیع الأطراف أو بعضها ؛ لأنّ العلم بالترخیص مع العلم بفعلیة التکلیف علی فرض المصادفة غیر ممکن الاجتماع ، فمع العلم الثانی لا یمکن الأخذ بالأدلّة المرخّصة .
الثانیة : تلک الصورة ، ولکن یحتمل ذلک ویحتمل مزاحمته لما هو أقوی ملاکاً ، کما سنشیر إلیه ، فیرفع الید عنه فی مقام التزاحم . فانحصر محطّ البحث
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 180 بالصورة الثانیة من المقام الثانی ؛ وهی صورة عدم العلم الوجدانی بالتکلیف الفعلی ؛ لا فعلاً ولا تقدیراً .
وعلی فرض تصادف الأمارة یحتمل فعلیة الواقع ویحتمل عدمها ، ویصیر مآل البحث إلی أنّه بعدما قامت الحجّة الفعلیة علی التکلیف ـ من إطلاق أو عموم ـ هل هاهنا حجّة اُخری أقوی ـ أعنی أدلّة الاُصول ـ حتّی ترفع الید عن الحجّة الاُولی ویکون من قبیل دفع الحجّة بالحجّة ، أو لا ؟
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 181