بیان الحقّ فی الأسباب الشرعیة
وتوضیح الحال فی عامّة الأسباب سیوافیک بیانه فی مبحث الاستصحاب عند البحث عن جریانه فی الأحکام الوضعیة ، غیر أنّا نشیر فی المقام إلی أمر هامّ ، وهو : أنّ السببیة والمسبّبیة فی الأسباب العقلیة والعادیة اُمور واقعیة خارجة عن طوق الاعتبار فالشمس مضیئة ؛ اعتبرها اللاحظ أو لا .
وأمّا الشرعیة والعقلائیة منهما : فمن الاُمور الاعتباریة القائمة باعتبار معتبرها ـ شارعاً کان أو عرفاً ـ ولیس معنی السببیة کون الأسباب مؤثّرات حقیقة فی وجود المسبّبات ؛ بحیث یحصل بعد إعمال الأسباب وجود حقیقی فی عالم التکوین لم یکن موجوداً قبله .
فإنّ السببیة والتأثیر والتأثّر کلّها مـن باب التشبیـه والمجاز ؛ لأنّ معنی قولنا : «قول البایع بِعْتُ سبب لتحقّق البیع فی الخارج» هـو أنّ المتکلّم إذا أنشأ به بداعی الجدّ یصیر موضوعاً عند العقلاء لآثار عقلائیـة مترتّبة علی المعنی المنشأ اعتباراً بالصیغة .
فالسبب وإن کان أمراً تکوینیاً إلاّ أنّ سببیته وتأثیره وإیجاده المعنی المنشأ کلّها قائمة بالاعتبار .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 329 ثمّ إنّ لبیان معنی تأثیر الأسباب فی المسبّبات فی عالم الاعتبار مقاماً آخر ، ولعلّنا نستوفی البحث فی مبحث الاستصحاب ؛ وإن أوضحناه فی هذا المقام فی الدورة السابقة .
ولیعلم : أنّ تشریع الأسباب والمسبّبات الشرعیة فیما إذا کانت دائرة بین العقلاء قبل التشریع لیست علی وتیرة واحدة .
فتارة : بإمضاء السبب والمسبّب العقلائی وسببیتهما ولم یتصرّف فیه إلاّ تصرّفاً طفیفاً من زیادة شرط وجزء .
واُخری : بسلب السببیة عن الأسباب العقلائیة وحصر السببیة فی سبب واحد ، کما فی باب الطلاق ؛ فإنّه بمعنی الهجران عن الزوجة ، والزوجیة أمر عقلائی کسائر الحقائق العقلائیة ، متعارف عند کلّ منتحل بدین وغیر منتحل ، ولکنّه سلب السببیة عن کلّ الأسباب وحصرها فی قول القائل : «أنت طالق» .
وثالثة : ببسط دائرة السببیة والسبب ، کما فی باب الضمان ؛ فإنّ حصول الضمان بمجرّد وضع الید المستفادة من قاعدة الید ممّا لیس منه بین العقلاء عین ولا أثر ، إلی غیر ذلک من الأقسام .
أمّا المخترعات الشرعیة المحضة التی لیس لها سابقة عند العقلاء ، فهل یجب تعلّق الجعل بکلّ واحد من السبب والمسبّب أو یکفی تعلّقه بأحدهما ؟
فاختار بعض أعاظم العصر الثانی ؛ قائلاً بأنّ جعل أحـدهما یغنی مـن الآخر ، فبناءً علی تعلّق الجعل بالمسبّبات تکون الأسباب الشرعیة کالأسباب
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 330 العادیة غیر قابلة للوضع والرفع .
أقول : الاشتباه نشأ من مقایسة الأسباب الشرعیة بالعلل التکوینیة ؛ فإنّ الجعل فی التکوینی حقیقة یتعلّق بوجود السبب ، وسببیة السبب أو نفس المسبّب مجعول بالعرض ، فالجاعل جعل النار ، لاجعل النار مؤثّراً فی الإحراق ، وهکذا نفس الإحراق .
وأمّا المسبّبات الشرعیة المحضة : فبما أنّ أسبابها أیضاً اختراعیة لا عقلائیة فلا یعقل کفایة تعلّق الجعل بالمسبّب دون سببه أو سببیته ؛ لأنّ المفروض أنّ المسبّب لیس أمراً عقلائیاً بل اختراعیاً ، وما کان کذلک لا یعقل أن یکون له سبب عقلائی أو عقلی أو عادی .
فلابدّ أن یکون سببه أیضاً اختراعیاً ، فلابدّ من تعلّق الجعل بالسبب ومسبّبه ؛ سواء تعلّق ابتداءً بالسبب أو بالمسبّب أو أدّی کلاماً یتکفّل الجعلین .
ولایخفی : أنّ الجعل یتعلّق بوصف السببیة ؛ أی یجعل ما لم یکن سبباً سبباً ، فلو فرضنا أنّ قول القائل : «ظَهْرکِ کظهر اُمّی» لیس عند العقلاء محرّماً ، وجعله الشارع سبباً لحرمة ظهر زوجته . فالجعل لم یتعلّق بذات السبب ـ أی الألفاظ ـ بل بوصف السببیة ؛ أی صیّر الشارع ما لم یکن سبباً سبباً للتحریم أنّ الجعل تعلّق بالسبب ، والسببیة أمر انتزاعی ، کما هو المشهور .
هذا ، وسیوافیک تفصیل القول فی هذه المقامات فی الاستصحاب .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 331