هل ترجیح قول الأعلم عند العقلاء لزومی أم لا ؟
ثمّ إنّک قد عرفت : أنّ ما هو الأقرب من هذه الوجوه ما اخترناه من أنّ المناط هو إلغاء احتمال الخلاف ، وعلیه فهذا المناط موجود فی رأی الأعلم وغیره ؛ ضرورة أنّ العقلاء یعملون بقول المفضول عند عدم قول الفاضل ، وهذا یدلّ علی کونه واجداً لملاکه ؛ کان الفاضل موجوداً أولا ، اتّفق رأیهما أو اختلفا ، وإلاّ لزم أن یکون عملهم فی حال عدم وجود الأعلم فاقداً للمناط ، وهو باطل بالضرورة ، أو لزم أن یختصّ وجود المناط فی قول المفضول بصورة خاصّة ؛ وهو عدم وجود رأی الأعلم المخالف له ، وهو کما تری .
وتقدیم رأی الأفضل علی غیره عند التعارض لایدلّ علی عدم کونه واجداً للملاک ، بل هو من باب تقدیم إحدی الحجّتین علی غیرها ، مع کونها أمارة عقلائیة حجّة فی حدّ نفسه ؛ لأجل موهومیة الخطأ فیه ، کما هو الملاک فی حجّیة قول الأعلم .
ثمّ إنّه ینبغی البحث عن بناء العقلاء فی تقدیم رأی الأعلم لدی العلم بالمخالفة إجمالاً أو تفصیلاً ، هل هو علی نحو اللزوم ، أو من باب حسن الاحتیاط ؟
لایبعد الثانی ؛ لکون الرأیین واجدین للملاک وشرائط الحجّیة والأماریة .
واحتمال أقربیة قول الأعلم لیس علی وجه یلزمهم علی التقدیم ؛ ولذا تراهم یراجعون المفضول من أهل الفنّ مع وجود الفاضل فی البلد ؛ معتذرین عن ذلک
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 625 بأعذار لایعدّ عذراً عند العقل والعقلاء ؛ من بُعد طریقه وسوء خلقه ونحو ذلک ، مع علمهم بمخالفة أهل الفنّ فی تشخیصاتهم إجمالاً .
وهذا یدلّ علی أنّ ترجیح الأفضل لیس علی حدّ اللزوم ، وترجیح رأیه أحیاناً لایدلّ علی لزومه . کما أنّه لو قدر واحد علی تحصیل إجماعهم فی موضوع لفعل ، لا لطرد قول المفضول والفاضل ، بل لترجیح الاحتیاط المنجی علی کلّ حال ، وعلیه فمقتضی القاعدة هو الاحتیاط لدی التعارض والعلم بمخالفتهما تفصیلاً أو إجمالاً ، وإن لم یمکن فالتخییر ؛ لکونهما واجدین لما هو الملاک ؛ وإن کان ترجیح قول الأفضل حسناً .
ولکن التحقیق خلافه ؛ فإنّ الاعتماد علی قول المفضول مع معارضته لقول الأفضل فی باب العمل بالتکالیف الصادرة من الموالی إلی العبید مشکل جدّاً ؛ فإنّه ربّما یسامح الرجل فی أغراضه الشخصیة ، ولا یصحّ ذلک فی أغراض المولی وموارد الاحتجاج .
أضف إلی ذلک : أنّه لم یحرز عمل العقلاء بقول المفضول مع وجود الفاضل فیما إذا علم مخالفتهما تفصیلاً ، بل إجمالاً إذا کان علی نحو التنجیز ، کما إذا کان الأطراف محصورة ؛ بأن یعلم مخالفة رأی المفضول لرأی غیره فی إحدی المسائل المعیّنة .
وما ذکرنا ـ من أنّ العقلاء یترکون مراجعة الأفضل ویراجعون إلی غیره ؛ معتذرین فی هذا بأعذار غیر وجیهة ـ إنّما هو إذا لم یعلم مخالفتهما تفصیلاً أو إجمالاً علی الوجه المنجّز .
مضافاً إلی کون المقام من دوران الأمر بین التعیین والتخییر ، والأصل فیه التعیین . مضافاً إلی أنّ الأصحاب أرسلوه إرسال المسلّمات ؛ فتعیُّن قول الأعلم لایخلو عن قوّة . هذا بناء العقلاء .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 626