بیان اُمور لجریان البراءة العقلیة
الأوّل : أنّ وزان المرکّبات الاعتباریة فی عالم الاعتبار من بعض الجهات وزان المرکّبات الحقیقیة فی الخارج ؛ فإنّ المرکّب الحقیقی إنّما یحصل بعد کسر سورة الأجزاء بواسطة التفاعل الواقع بینها ، فتخرج الأجزاء من الاستقلال لأجل الفعل والانفعال والکسر والانکسار ، وتتّخذ الأجزاء لنفسها صورة مستقلّة ؛ هی صورة المرکّب ، فلها وجود ووحدة غیر ما للأجزاء .
وأمّا المرکّب الصناعی کالبیت والمسجد ، أو الاعتباری کالقوم والفوج والأعمال العبادیة کلّها ، فإنّ کلّ جزء منها وإن کان باقیاً علی فعلیته بحسب التکوین ، ولا یکسر عن سورة الأجزاء فی الخارج شیء ، إلاّ أنّها فی عالم الاعتبار
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 291 لمّا کان شیئاً واحداً ووجوداً فارداً تکسر سورة الأجزاء وتخرج الأجزاء عن الاستقلال فی عالم الاعتبار ، وتفنی فی الصورة الحاصلة للمرکّب فی عالم الاعتبار .
فما لم یحصل للمرکّب الصناعی أو الاعتباری وحدة اعتباریة کصورتها الاعتباریة لم یکن له وجود فی ذلک اللحاظ ؛ فإنّ ما لا وحدة له لا وجود له تکویناً واعتباراً ، وإنّما تحصل الوحدة بذهاب فعلیة الأجزاء وحصول صورة اُخری مجملة غیر صورة الأجزاء المنفصلات .
والحاصل : أنّ النفس بعد ما شاهدت أنّ الغرض قائم بالهیئة الاعتباریة من الفوج ، وبالصورة المجتمعة من الأذکار والأفعال ینتزع عندئذٍ وحدة اعتباریة ، وصورة مثلها تبلع فعلیة الأجزاء وأحکامها فی عالم الاعتبار . والفرق بین الأجزاء والصورة المرکّبة هو الفرق بین الإجمال والتفصیل .
فتلخّص : أنّ المرکّبات الاعتباریة والصناعیة وإن کانت تفارق الحقیقیة ، إلاّ أنّها من جهة اشتمالها علی الصورة الصناعیة أو الاعتباریة أشبه شیء بالحقیقیة من المرکّبات ، والتفصیل فی محلّه .
الثانی : أنّ صورة المرکّب الاعتباری إنّما ینتهی إلیها الآمر بعد تصوّر الأجزاء والشرائط علی سبیل الاستقلال ، فینتزع منها بعد تصوّرها صورة وحدانیة ، ویأمربها علی عکس الإتیان بها فی الخارج .
توضیحه : أنّ المولی الواقف علی أغراضه وآماله یجد من نفسه تحریکاً إلی محصّلاتها ، فلو کان محصّل غرضه أمراً بسیطاً یوجّه أمره إلیه ، وأمّا إذا کان مرکّباً فهو یتصوّر أجزائها وشرائطها ومعدّاتها وموانعها ، ویرتّبها حسب ما یقتضی المصلحة والملاک النفس الأمریین ، ثمّ یلاحظها علی نعت الوحدة ؛ بحیث تفنی فیها
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 292 الکثرات ، ثمّ یجعلها موضوعاً للحکم ومتعلّقاً للبعث والإرادة ، فینتهی الآمر من الکثرة إلی الوحدة غالباً .
وأمّا المأمور الآتی به خارجاً فهو ینتهی من الوحدة إلی الکثرة غالباً ؛ فإنّ الإنسان إذا أراد إتیان المرکّب فی الخارج وتعلّقت إرادته بإیجاده یتصوّره بنعت الوحدة أوّلاً ، ویجد فی نفسه شوقاً إلیه ، ولمّا رأی أنّه لا یحصل فی الخارج إلاّ بإتیان أجزائها وشرائطها حسب ما قرّره المولی تجد فی نفسه إرادات تبعیة متعلّقة بها ، فالمأمور ینتهی من الوحدة إلی الکثرة .
الثالث : أنّ وحدة الأمر تابع لوحدة المتعلّق لاغیر ؛ لأنّ وحدة الإرادة تابع لوحدة المراد ؛ فإنّ تشخّصها بتشخّصه . فلا یعقل تعلّق إرادة واحدة بالاثنین بنعت الاثنینیة والکثرة ، فما لم یتّخذ المتعلّق لنفسها وحدة لایقع فی اُفق الإرادة الواحدة . والبعث الناشئ منها حکمه حکمها . فما لم یلحظ فی المبعوث إلیه وحدة اعتباریة فانیة فیه الکثرات لایتعلّق به البعث الوحدانی ، وإلاّ یلزم أن یکون الواحد کثیراً أو الکثیر واحداً .
والحاصل : أنّ الأجزاء والشرائط فی الاعتباریة من المرکّبات بما أنّها باقیة علی کثراتها وفعلیاتها حسب التکوین فلا یتعلّق بها الإرادة التکوینیة الوحدانیة مع بقاء المتعلّق علی نعت الکثرة . فلابدّ من سبک تلک الکثرات المنفصلات فی قالب الوحدة حتّی یقع الکلّ تحت عنوان واحد جامع لشتات المرکّب ومتفرّقاتها ، ویصحّ معه تعلّق الإرادة الواحدة ، ویتبعه تعلّق البعث الواحد .
وبذلک یظهر ضعف ما عن بعض محقّقی العصر من أنّ وحدة المتعلّق من وحدة الأمر ، فلاحظ .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 293 الرابع : أنّ الصور فی المرکّبات الاعتباریة لیست أمراً مغایراً للأجزاء بالأسر ، بل هی عینها حقیقة ؛ إذ لیس المراد من الصورة إلاّ الأجزاء فی لحاظ الوحدة ، کما أنّ الأجزاء عبارة عن الاُمور المختلفة فی لحاظ الکثرة . وهذا لایوجب أن یکون هنا صورة وأجزاء متغایرة ، ویکون أحدهما محصِّلاً والآخر محصَّلاً .
وإن شئت فلاحظ العشرة ؛ فإنّها عبارة عن هذا الواحد وذاک الواحد وذلک ، ولیست أمراً مغایراً لتلک الوحدات ، بل هی عبارة عن هذه الکثرات فی لحاظ الوحدة ، والعنوان یحکی عن وحدة جمعیة بین الوحدات .
فلو لاحظت کلّ واحد من الوحدات فقد لاحظت ذات العشرة ، کما أنّک إذا لاحظت العنوان فقد لاحظت کلّ واحد من الوحدات بلحاظ واحد .
والفرق بینهما إنّما هو بالإجمال والتفصیل والوحدة والکثرة ، فالعنوان مجمل هذه الکثرات ومعصورها ، کما أنّ الأجزاء مفصّل ذلک العنوان ؛ ضرورة أنّ ضمّ موجود إلی موجود آخر حتّی ینتهی إلی ما شاء لا یحصل منه موجود آخر متغایر مع الأجزاء المنضمّات .
الخامس : أنّ دعوة الأمر إلی إیجاد الأجزاء إنّما هو بعین دعوته إلی الطبیعة ؛ لا بدعوة مستقلّة ولا بدعوة ضمنیة ولا بأمر انحلالی ولا بحکم العقل الحاکم بأنّ إتیان الکلّ لا یحصل إلاّ بإتیان ما یتوقّف علیه من الأجزاء ؛ وذلک لأنّ الطبیعة تنحلّ إلی الأجزاء ؛ انحلال المجمل إلی مفصّله . والمفروض : أنّها عین الأجزاء فی لحاظ الوحدة ، لا شیء آخر .
فالدعوة إلی الطبیعة الاعتباریة عین الدعوة إلی الأجزاء ، والبعث إلی إحضار عشرة رجال بعث إلی إحضار هذا وذاک حتّی یصدق العنوان .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 294 ومع ما ذکرنا لا حاجة إلی التمسّک فی مقام الدعوة إلی حکم العقل ؛ وإن کان حکمه صحیحاً .
وأمّا الأمر الضمنی أو الانحلالی فممّا لا طائل تحته .
وإن شئت قلت : إنّ الأمر المتعلّق بالمرکّب واحد متعلّق بواحد ، ولیست الأجزاء متعلّقة للأمر ؛ لعدم شیئیة لها فی لحاظ الآمر عند لحاظ المرکّب ، ولا یری عند البعث إلیه إلاّ صورة وحدانیة هی صورة المرکّب ؛ فانیاً فیها الأجزاء ، فهی تکون مغفولاً عنها ، ولا تکون متعلّقة للأمر أصلاً .
فالآمر لا یری فی تلک اللحاظ إلاّ أمراً واحداً ، ولا یأمر إلاّ بأمر واحد ، ولکن هذا الأمر الوحدانی یکون داعیاً إلی إتیان الأجزاء بعین دعوته إلی المرکّب ، وحجّة علیها بعین حجّیته علیه ؛ لکون المرکّب هو الأجزاء فی لحاظ الوحدة والاضمحلال .
وما ذکرنا هاهنا وفی المقدّمة الرابعة لاینافی مع ما عرفت تحقیقه ؛ من وجود ملاک المقدّمیة فی الأجزاء ، وأنّ کلّ جزء مقدّمة ، وهو غیر الکلّ .
السادس : أنّ مصبّ الأمر هو العنوان لا ذات الأجزاء المردّدة بین الأقلّ والأکثر بنعت الکثرة ؛ وإن کان العنوان عینها فی لحاظ الوحدة . ومع ذلک فما هو متعلّق الأمر إنّما هو العنوان .
نعم ، التعبیر بأنّ الأمر دائر بین الأقلّ والأکثر یوهم تعلّق الحکم بالأجزاء ، وأنّ الواجب بذاته مردّد بینهما ، وهـو خلاف المفروض وخلاف التحقیق ، بل الحکم تعلّق بعنوان غیر مردّد فی نفسه بین القلیل والکثیر ؛ وإن کان ما ینحلّ إلیه
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 295 هذا العنوان مردّد بینهما ، وهو لا یوجب تردّد الواجب بالـذات بینهما ، وهـو لاینافی قولنا : إنّ العنوان عین الأجزاء ؛ لما تقدّم أنّ العینیة مع حفظ عنوانی الإجمال والتفصیل .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 296