ثمّ وقع ا لکلام فی أنّ ا لقدرة شرط ، أو ا لعجز مانع ، وقد اشتهر بینهم أنّ ا لمانع أمر وجودیّ ، یلزم من وجوده ا لعدم ، وا لشرط ما یلزم من عدمـه ا لعدم ، وقد تشبّث ا لشیخ ا لأعظم قدس سره بذلک علیٰ أنّ ا لعجز لیس مانعاً .
وا لظاهر أنّ ما ذکر فی معنی ا لشرط وا لمانع ، وقع فی کلام أهل ا لفنّ بنحو من ا لمسامحـة ، ثمّ اشتهر ذلک غفلـة عن حقیقـة ا لحال ؛ وهی أنّ ا لعدم لیس بشیء ، ولایعقل أن یکون مشاراً إلیـه ، أو محکوماً بحکم ، أو موضوعاً لـه ، أو مدرکاً ، فضلاً عن أن یکون مؤثّراً ومتأثّراً ، فاقتضاؤه لشیء أو لزوم شیء منـه ، کلّ ذلک غیر صحیح ، وما یتصوّر منـه أو یحکم علیـه ، إنّما هو ا لعدم با لحمل ا لأوّلی ، ا لموجود با لشائع فی ا لذهن .
وا لتحقیق : أنّ ا لمانع أمر وجودیّ ، مضادّ لأمر وجودیّ ، فا لتمانع بینهما با لذات ؛ بمعنیٰ عدم إمکان اجتماعهما فی محلّ واحد ، فکلّ منهما مادام موجوداً ، یمنع عن وجود ضدّه بحکم ا لتضادّ وا لتنافی ، فا لبیاض فی ا لجسم مادام موجوداً ، مانع عن وجود ا لسواد ، وکلّ طارد لضدّه .
وأ مّا ما یقال : من أنّ ا لمانع ـ اصطلاحاً ـ هو ما یقتضی ما ینافی مقتضیٰ
شیء آخر ، فا لمقتضیان متمانعان ؛ لتنافی مقتضیهما ، فسبب ا لضدّ هو ا لمانع فغیر وجیـه ؛ فإنّ ما هو ا لمناط فی ا لتمانع با لذات ، إنّما هو فی ا لضدّین ، لا فی علّـة کلّ مع وجود الآخر ، فسبب ا لتمانع هو ا لتنافی ا لذی بین ا لضدّین .
فصرف اقتضاء شیء ما ینافی اقتضاء الآخر ، لایکون منشأ ا لتمانع ، فعلّـة تحقّق ا لسواد فی ا لجسم ، مع علّـة ا لبیاض ، غیر متمانعین با لذات ، بل ا لتمانع باعتبار ا لأثر وا لمعلول ، ا لذی یکون مضادّاً لمعلول آخر .
ثمّ إنّ ا لتحقیق : أنّ ا لشرط وا لمانع وا لسبب ونحوها ، قابلـة للجعل مستقلاًّ فی ا لتشریعیّات ، وإنکار ذلک ناشئ من ا لخلط بین ا لتکوین وا لتشریع .
وقد یقال : إنّ جعل شیء مانعاً ، یرجع إلیٰ جعل عدمـه شرطاً ؛ لأنّ ا لمأمور بـه إذا لم یتقیّد بشیء ، فلا محا لـة یقع صحیحاً ، ومع جعل ا لمانع ، إذا لم یرجع إلیٰ تقیید فیـه ، وضیق فی ا لمطلوب ، لایعقل أن لایقع صحیحاً ؛ لأنّ ا لصحّـة هی مطابقـة ا لمأتیّ بـه للمأمور بـه ، وا لمفروض مطابقتـه لـه .
ولو رجع إلیٰ تضییق وتقیید ، فلا محا لـة یکون من قبیل ا لشرط ، فیکون عدم ا لمانع شرطاً .
وفیـه : أنّ هذا مبنیّ علیٰ عدم إمکان جعل ا لمانع عن صحّتـه ، وإلاّ فکما أنّ ا لمانع فی ا لتکوین ، یدفع وجود ا لممنوع عن ا لتحقّق ، من غیر أن یکون لعدمـه دخل ، کذلک ا لمانع فی ا لتشریع .
بل ا لتشریع فی مثل ما ذکر ، یکون علیٰ طبق ا لتکوین بحسب ا لاعتبار ، فا لتشریع تکوین اعتباریّ ، نظیر ما یقال : من أنّ ا لملک جدة اعتباریّـة ، أو إضافـة اعتباریّـة ، فإذا شرع ا لمقنّن تشریعاً قانونیّاً ، ثمّ اقتضت ا لمصا لح أن یجعل لـه شرطاً أو مانعاً ، فقال : «ولِّ فی ا لصلاة وجهک شطر ا لمسجد ا لحرام» یتّبع ذلک ا لوضع ، وتنتزع منـه ا لشرطیّـة فی ا لصلاة ، من غیر تجدید أمر با لمقیّد .
وکذا إذا اقتضت ا لمصلحـة جعل مانع لها ، فقال : «لاتصلّ فی وبر ما لایؤکل» أو «جعلت وبره مانعاً من ا لصلاة» تنتزع منـه ا لمانعیّـة ، نظیر ا لمانعیّـة ا لتکوینیّـة ، فبحسب جعلـه واعتباره ، یکون حمل ا لوبر ولبسـه مضادّاً لصحّـة ا لصلاة .
فموافقتها للمأمور بـه ، إنّما توجب ا لصحّـة ، إذا لم تبتل با لمضادّ فی اعتبار ا لشرع ، ا لمانع من صحّتها ، فمع ابتلائها با لمضادّ فی اعتبار ا لشرع ، لاتقع علیٰ طبق ا لقانون ا لشرعیّ ، فلاتعقل صحّتها ؛ للمضادّة ا لجعلیّـة ا لاعتباریّـة ، وهذا لا مانع منـه عقلاً ، ویصحّ اعتباراً .
وأ مّا إرجاع ا لمانع إلیٰ أنّ عدمـه شرط ، فهو فرار من ا لمطر إلی ا لمیزاب ؛ ضرورة أنّ ا لعدم لایعقل أن یکون شرطاً بأیّ معنًی کان ، ولایعقل ثبوت شیء لـه ، ولا ا لإشارة إلیـه ولو عقلاً ، فا لفرار ممّا لا امتناع فیـه بوجـه ، إلی ا لممتنع با لضرورة ، ممّا یدفعـه ا لعقل .
فمع امتناع شرطیّـة ا لعدم أو مانعیّتـه ، لا محیص عن تأویل ما بظاهره دالّ علیٰ شرطیّتـه أو مانعیّتـه ، ففی ا لمقام لو فرض ظهور دلیل علیٰ مانعیّـة ا لعجز ،
فلابدّ من إرجاعـه إلیٰ شرطیّـة ا لقدرة ؛ لامتناع کون ا لعجز ـ وهو عدم ا لقدرة ـ مانعاً ودافعاً لشیء .
نعم لو قیل : إنّ ا لعجز أمر ثبوتیّ مضادّ للقدرة ، تصحّ مانعیّتـه .