کلام المحقّق النائینی فی المقام ونقده
ثمّ إنّ للمحقّق النائینی رحمه الله کلاماً فی المقام، نذکره إجمالاً مع الإشارة إلی ما فیه. ذکر فی مقام الردّ علی ماذهب إلیه الشیخ قدس سره ـ من کفایة الرضا الباطنی فی خروج العقد عن الفضولیّة ـ : بأنّ الرضا غیر کافٍ فی ذلک، فإنّ المعتبر فی تصحیح العقد هو الاستناد إلی المالک، وهو أمر إنشائیّ یحتاج إلی الإبراز.
وفیه : أنّه لو کان المراد بالاستناد صیرورة العقد عقد المالک؛ بحیث یصحّ أن یقال: إنّه فعله، فبطلانه ظاهر، ولو کان المراد منه مجرّد الربط بالمالک فهو حاصل بنفس الرضا، مع أنّ کون الاستناد أمراً إنشائیّاً لا محصّل له، کما لایخفی.
وذکر رحمه الله فی مقام بیان کون الفضولی موافقاً للقاعدة مع اعتباره الاستناد: أنّ المعتبر استناد المسبّب إلی المالک ـ والمسبّب هو الأثر المترتّب بنظر العقلاء ـ لا السبب ـ وهو العقد الإنشائی ـ حتّی یقال : لاینقلب الشیء عمّا وقع علیه؛ لعدم الدلیل علی اعتبار استناد الأسباب إلی المالک.
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 425 وفیه : أنّه لو کان دلیل نفوذ المعاملة بناء العقلاء، فمع حصول الأثر بنظرهم، یکون اعتبار استناد الأثر إلی المالک لغواً، ولو کان الدلیل العمومات نظیر «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» «بمعنی العقد المستند» ، فالتمسّک بها لإثبات النفوذ ـ بناء علی ما ذکره ـ دوریّ؛ لأنّه مالم یحصل الأثر ولم یثبت الاستناد، لم یمکن التمسّک بالعموم لإثبات حصول الأثر، فالصحیح عدم اعتبار الاستناد؛ لا فی السبب لعدم الدلیل علیه وعدم الإمکان فی بیع الوکیل، ولا فی المسبّب لما ذکر من الإشکال العقلی، مضافاً إلی عدم الدلیل علی اعتبار الاستناد کما مرّ. نعم، غایةُ مایمکن أن یدّعی انصرافُ الأدلّة عن العقد الغیر المرتبط بالمالک بوجه، لکن مع حصول الارتباط بوجه، مثل وقوع العقد علی ماله وحصول الرضا مقارناً أو متأخّراً، فتشمله الأدلّة، ولا وجه لدعوی اعتبار أمر زائد علی ذلک، فکیف إذا حصلت الإجازة من المالک؟!
والمتحصّل من جمیع ذلک : أنّ التمسّک بالأدلّة العامّة لإثبات صحّة الفضولی، لایحتاج إلی مؤونة زائدة علی التمسّک بها لإنفاذ معاملة الأصیلین.
وممّا ذکرنا : ظهر خروج العقد المقرون برضا المالک واقعاً ـ ولو صدر من غیر المالک ولم یبرز المالک رضاه بإنشاء أو غیره ـ عن العقد الفضولی، بل علی مسلکنا فی القبول أیضاً یکفی رضا القابل بذلک بلا حاجة إلی الإبراز والإنشاء؛ کلّ ذلک لما مرّ من تحقّق حقیقة العقد، ویکفی فی إنفاذه نفس تحقّق الرضا من المالک؛ لعدم الدلیل علی أزید من ذلک بعد شمول الإطلاقات له.
ثم ذکر رحمه الله أثناء کلامه فی هذا المقام : أنّه یعتبر فی صحّة الفضولی بالإجازة أمران:
أحدهما : عدم کون الفعل علّة تامّة لتحقّق أثره.
وثانیهما : عدم کون إجازة المجیز علّة تامّة لتحقّق أثرها.
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 426 وبمقتضی الأمرالأوّل تخرج جملة من الإیقاعات عن عنوان الفضولی، کالقبض والإقباض وإعطاء الدین، بل إعطاء الخمس والزکاة لو قیل بجریان التبرّع فیهما، وبمقتضی الأمر الثانی تخرج العقود الإذنیة، کالوکالة فی التصرّف والعاریة والودیعة، وجملة الإیقاعات، کالفسخ والإجازة والإبراء والجُعالة بناء علی کونها منها، فإنّ إجازة هذه بنفسها تکون وکالة وعاریة وودیعة وفسخاً وإجازة وإبراء وجعلاً.
وما ذکره من الکبری وإن کان صحیحاً، إلاّ أنّه لا مصداق لها وشیء من الأمثلة المذکورة لایکون مصداقاً لذلک.
أمّا القبض والإقباض فی الکلّیّات، فحیث لا یتعیّن الکلّی إلاّ بوقوع القبض والإقباض من أهله، یمکن تصویر الفضولیّة فیه، فلو أقبض الفضولی المشتریَ من مال البائع مصداق ما باعه کلّیّاً أو قبض الفضولی من البائع ذلک، فالأوّل یحتاج إلی إجازة البائع، والثانی إلی إجازة المشتری، وهذا ظاهر. وأمّا فی الشخصیات فقبض الفضولی فیها أیضاً متوقّفة علی الإجازة، وأمّا إقباض الفضولی فلایحتاج إلی الإجازة، لا لما ذکره، بل لعدم أثر للإقباض حتّی یحصل بالإجازة، والأثر یترتّب علی القبض، وهو لیس فضولیّاً.
وأمّا إعطاء الدَّین والخمس والزکاة، فالتبرّع بذلک عن ملک نفس المتبرّع خارج عن البحث والفضولیّة، والبحث إنّما هو فی إخراج ذلک من مال المالک، وعلیه لم لاتجری الفضولیة فیها؟!
وأمّا ما ذکره : من أنّ الإجازة فی العقود الإذنیة والإیقاعات المذکورة، بنفسها علّة تامّة لتحقّق أثرها، فلا محصّل له، أمّا العقود الإذنیة فقد مرّ فی بعض المباحث السابقة: أنّه لو کان المراد من ذلک أنّ هذه العقود بنفسها إذن، ولا تزید عن حقیقة الإذن بشیء، فهذا ظاهر البطلان، فإنّ الإذن شیء والعاریة والودیعة ـ مثلاً ـ شیء
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 427 آخر، والأوّل إیقاع، والثانی عقد، ولذا لو لم یقبل المأذون له، بل ردّ الإذن یصحّ له التصرّف، وأمّا فی هذه العقود فلو لم یقبل القابل فیها لم یصحّ له التصرّف.
ولو کان المراد من ذلک أنّها مشتملة علی الإذن، فمضافاً إلی أنّها خلاف التحقیق لما ذکرنا من تغایر المفهومین، وجواز التصرّف من لوازم هذه العقود، لامانع من جریان الفضولیّة فیها، فإنّ إنشاء العاریة من الفضولی نظیر إنشاء البیع من الفضولی، والإجازة ترجع إلی إنفاذ ذلک المنشأ، ولا معنی لأن یقال: الإجازة عاریة، بعدما ظهر من تغایر مفهوم الإذن والعاریة ورجوع الإجازة إلی إنفاذ ما سبق. ولعلّ هذا فی غایة الظهور، فلا محصّل للتعبیر عن هذه العقود بالعقود الإذنیة.
وقد ظهر من ذلک ما فی أمثلة الإیقاعات، فإنّ الإجازة شیء والإبراء شیء کما لایخفیٰ، فیمکن تصویر الفضولیّة فی جمیع ما ذکره من الأمثلة.
والمتحصّل ممّا مرّ اُمور :
1 ـ عدم الفرق بین الإیقاعات والعقود بأنواعها فی قبولهما الفضولیّة.
2 ـ کفایة الرضا الباطنی فی خروج العقد عن الفضولیّة، وفی إجازة العقد الواقع فضولاً، بل وفی قبول العقد بلا حاجة إلی الإنشاء.
3 ـ إنّ صحّة العقد الفضولی موافقة للقاعدة نظیر غیر الفضولی، وشمول أدلّة النفوذ لکلا العقدین، علی نحو واحد وطَرْز فارد بلا أیّ فرق بینهما.
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 428