فی دلیل اعتبار مقارنة الرضا للعقد
فقد یقال باعتبار المقارنة؛ من جهة استفادة ذلک من کلمة «عن» النشویّة فی الآیة المبارکة: «لاََ تَأْکُلُوا أَمْوَالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَکُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ»، فإنّ حصر جواز الأکل بالتجارة الناشئة عن تراضٍ، یدلّ علی عدم جواز الأکل فی بیع المکرَه، ودخول ذلک فی عقد المستثنی منه. وقد مرّ فی تقریب ما یستفاد من هذه الآیة: أنّ الظاهر منها ترتّب الحکم بعدم الجواز علی الباطل، والحکم بالجواز علی غیر الباطل، وهذا الوصف المأخوذ فی موضوع ذلک الحکم ـ کسائر موضوعات الأحکام ـ فهمه موکول إلی نظر العرف، ولیس للشارع تصرّف فیه، ومن الواضح أنّ العرف والعقلاء لایرون الأکل فی بیع المکرَه ـ بعد رضاه بالبیع ـ من الأکل بالباطل، فعلی ذلک لافرق بین أن یقال بظهور الآیة فی الحصر وعدمه، وبین کون الاستثناء منقطعاً أو متّصلاً،وبین القول بظهور الکلمة فی النُّشُوّ وعدمه، هذا، مع أنّ وصف التراضی قید غالبیّ لا مفهوم له، فکأنّه استثنی عن الأکل بالباطل الأکل بالتجارة، وحینئذٍ المستثنی یشمل المقام.
وبعبارة اُخری : إنّ فهم مدالیل الألفاظ موکول إلی نظر العرف، والعرف ـ بملاحظة بعض المناسبات المغروسة فی ذهنه ـ یُلغی الخصوصیّة فی بعض المقامات، کما مرّ ذلک، ومثّلنا له بمثالین [«رجل شکّ بین الثلاث والأربع»
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 410 و«أصاب ثوبی دم رعاف»]، فإنّه یُلغی خصوصیّة کون الشاکّ رجلاً فی الأوّل وخصوصیّة إضافة الثوب إلی زرارة وکون الدم رعافاً فی الثانی، کذلک فی المقام، فإنّ العرف یحکم بإلغاء الخصوصیّة فی المستثنی وفی المستثنی منه:
أمّا فی المستثنی منه، فلایری موضوع الحکم بعدم جواز الأکل إلاّ کون الأکل باطلاً، فالبطلان موضوع للحکم بنظره، وحیث إنّ الاستثناء لیس من الباطل، فإنّه غیر قابل للتخصیص؛ أی یحکم الشارع بجواز الأکل فی مورد البطلان.
وأیضاً التجارة عن تراضٍ لاتکون باطلاً قطعاً، فالعرف یری أنّ الآیة فی مقام مقابلة الباطل بالتجارة بما أ نّها غیر باطل، لا بما أ نّها تجارة ناشئة عن تراضٍ، فالمستفاد من الآیة المبارکة عدم جواز الأکل فی مورد البطلان وجوازه فی مورد الحقّ، وبما أنّ فهم البطلان والحقّ ـ کسائر الموضوعات المأخوذة فی الأدلّة ـ موکول إلی نظر العرف، فلابدّ من ملاحظة معناهما فی نظر العرف والعقلاء، والعقلاء لایرون بیع المکرَه بعد حصول الرضا من أقسام الباطل.
فبهذا البیان ظهر عدم استفادة حصر الحلّ فی التجارة عن تراضٍ من الآیة الکریمة.
وأمّا فی المستثنی ، فظهور الکلمة فی النُّشُوّ وإن کان لاینکر، إلاّ أنّ العرف یُلغی هذه الخصوصیّة؛ بملاحظة أنّ وجه التقیید بالتراضی هو حصول الرضا فی المعاملة، وأمّا نُشُوّ المعاملة عن الرضا فلا خصوصیّة فیه، ولاسیّما بملاحظة الاستثناء عن الباطل واستفادة أنّ وجه الاستثناء هو کون التجارة عن تراضٍ من غیر الباطل، وأمّا وجه ذکر هذا الفرد فی المستثنی فکونه من أوضح الأفراد وأغلبها.
وقد ظهر بذلک : عدم الحاجة إلی البحث عن اتّصال الاستثناء وانقطاعه، وإن ذهب السیّد رحمه الله ـ وتبعه المحقّق النائینی رحمه الله ـ إلی لزوم توجیه الاستثناء بحیث یرجع إلی الاتّصال، ولذا ذکروا : أنّ الآیة بمعنی «لا تأکلوا أموالکم بینکم بوجه من
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 411 الوجوه ـ إلاّ التجارة عن تراضٍ ـ لکونه باطلاً».
وهذا لایرجع إلی محصّل صحیح، فإنّ الآیة ظاهرة فی الاستثناء المنقطع، ولا محذور فی الالتزام بذلک، ولاینافی ورودَ الآیة فی کلام البلیغ، فإنّ البلاغة قد تقتضی الإتیان بالاستثناء منقطعاً لبعض الدواعی، کتأکید المستثنی منه، مثل «لاَیَسْمَعُونَ فِیهَا لَغْواً وَلاَتَأثِیماً إلاّ قِیلاً سَلاَماً سَلاَماً»، أو داعٍ آخر «یرجع فی ذلک إلی المفصّلات» ؛ بل أوّل الاستثناء فی أمثال هذه الموارد إلی الاتّصال والالتزام باستفادة الحصر منه منافٍ للفصاحة؛ أتری أ نّه لایُسمَع شیء فی الجنّة إلاّ السلام؟! وهذا ظاهر.
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 412