فی صور ضمان المِثْل بأکثر من ثمنه
وأمّا صور المسألة وحکمها، فبناء علی أنّ ازدیاد قیمة المثل عن ثمن المثل ـ من جهة ارتفاع القیمة السوقیّة سواء حصلت لکثرة الرغبات أو قلّة الوجود ـ فلابدّ للقابض من شراء المثل، فإنّه مقتضی ضمانة العین، وأمّا حدیث الضرر فغیر منطبق علی المقام ولو علی مبنی القوم، فإنّ شراء الشیء بثمن مثله لیس ضرریّاً.
وربّما یقال : إنّ حدیث الضرر یشمل الجانبین، فتقع المعارضة بین مفاده فی المقام، وأنت خبیر بأنّ إعطاء القابض المثل للمالک، لایکون ضرراً علیه ولو نقصت قیمته بمراحل، بل هو من قبیل عدم النفع، فیمکن أن یصبر المالک حتّی تتساوی قیمة المِثْل مع قیمته یوم تلف العین بلا ضرر علیه. نعم لو کان الصبر حرجاً علی المالک حُکم بلزوم الشراء، کما أ نّه لو کان الشراء حرجاً علی القابض حُکم بلزوم الصبر، ومع لزوم الحرج فی الجانبین یحکم بالتساقط ولزوم الشراء؛ لاقتضاء الضمان ذلک.
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 275 وأمّا بناء علی أن یکون ذلک من جهة تعذّر المثل؛ وعدم وجدانه إلاّ عند من یعطیه بأزید من ثمن المثل، فمقتضی القاعدة لزوم الشراء لإطلاقات أدلّة الضمان، وحدیث نفی الضرر أجنبیّ عن ذلک علی مسلکنا.
وأمّا علی مسلک القوم من تحکیمه علی الأدلّة، فقد أفتی الشیخ رحمه الله بلزوم الشراء مع فرضه لزوم الضرر علی الضامن، ولعلّ الوجه فی ما ذکره : عدم شمول الحدیث لمورد کان الضرر فی مقدّمات الفعل لا فی نفسه، فإنّ جعل الحکم بنفسه لیس ضرراً فی أیّ مورد، بل الضرر إنّما هو فی الإتیان بالمتعلّق لو کان، فمعنی الحدیث عدم جعل الحکم الّذی یکون فی الإتیان بمتعلّقه ضرر، وهنا إطلاقات الحکم هی إطلاقات الضمان المقتضی للزوم دفع المثل، والدفع وإن کان ضرریّاً، إلاّ أنّ الضرر فی طبعه؛ لما مرّ من أنّ الضمان وعُهدة الخسارة بنفسه ضرر، ولایمکن شمول دلیل نفی الضرر لمثله، والشراء أیضاً وإن کان ضرراً، إلاّ أنّ الشراء مقدّمة للإتیان بالمتعلّق، لا متعلّق الحکم بنفسه.
هذا، ولکن بناء علی تحکیم دلیل الضرر علی أدلّة الأحکام ـ کما ذکروا ـ تکون النتیجة عدم جعل الحکم الناشئ منه الضرر ولو فی المقدّمات، نظیر دلیل الحرج؛ ألا تری أنّ مورد روایة عبدالأعلی مشتمل علی الحرج فی المقدّمات، وهی حلّ المرارة، وإلاّ فنفس المسح علی البشرة لا ضرر فیه، ومع ذلک یقول الإمام علیه السلام: «هذا وأشباهه یعرف من کتاب الله «مَاجَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ»» وهذا أقوی دلیل علی أنّ مبنی عدم جعل الحکم الحرجیّ ما یشمل الحرج فی المقدّمات، بل لابدّ من أن یفهم السائل ذلک من الکتاب، ففی المقام أیضاً الأمر کذلک؛ أی معنی عدم جعل الحکم الضرریّ ما یشمل الضرر فی المقدّمات.
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 276 وأمّا المقدّمات العلمیّة فقد تقدّم الکلام فیها. ولعلّ الوجه فی ما ذکره ما مرّ من أنّ الدلیل الامتنانیّ لایشمل مورد عدم الامتنان بالنسبة إلی الغیر، وقد عرفت ما فیه، وأنّ الامتنان فی جعل القانون لایلازم الامتنان بالنسبة إلی الأشخاص والأفراد المنطبق علیها القانون.
أضف إلی ذلک أ نّه لا دلیل علی أن یکون الامتنان فی الدلیل الامتنانیّ علّة للحکم، بل لعلّه علّة للجعل ونکتة للتشریع، وعلیه فنفس تعلّق النفی بطبیعة الضرر یدلّ علی أنّ مطلق الضرر منتفٍ ، ولابدّ فی رفع الید عنه من حجّة محرزة ولا حجّة فی المقام.
وبعبارة اُخری : أ نّه لو أحرزنا علّیّة الامتنان للحکم ـ بحیث یدور مداره ـ نرفع الید عن «لاضرر» فی مورد عدم الامتنان، وأمّا مع الشکّ فلابدّ من الأخذ بما یفهم العرف من الدلیل، والعرف بملاحظة هذه العبارة یساعد علی الإطلاق، وأنّ طبیعة الضرر منتفیة، ومرجع الشکّ إلی الشکّ فی الانصراف، والمرجع فیه الإطلاق بنظر العرف.
ولو سلّمنا العلّیّة للحکم، وأغمضنا النظر عمّا مرّ ـ من عدم الملازمة بین الامتنان فی جعل القانون والامتنان فی الموارد الشخصیّة ـ فغایة ما تدلّ علیه قضیّة الامتنان: أ نّه لابدّ فی التمسّک بدلیل الضرر من کون نفی الضرر امتناناً علی الشخص الموضوع له، وأمّا لزوم الامتنان علی الغیر، أو عدم لزوم خلاف الامتنان بالنسبة إلی الغیر، فأجنبیّ عن مفاده، وهکذا فی جمیع الأدلّة الامتنانیّة، فرفع الاضطرار امتنان
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 277 علی المضطرّ، والحکم مرتفع عنه وإن استلزم خلاف الامتنان بالنسبة إلی الآخر، ولذا یجوز أکل مال الغیر عند الاضطرار إلیه.
ولعلّ الوجهَ فی ما ذکره إقدامُ المشتری علی هذا الضرر.
وقد أجبنا عن هذا سابقاً: بأنّ المتعاملین العالمین بفساد المعاملة المعتنین بالشرع لم یحصل منهم الجدّ بالمعاملة، فهذا الفرض خارج عن مسألة المقبوض بالعقد الفاسد، ومورد هذه المسألة الجاهل ولو کان معتنیاً بالشرع والعالم الغیر المعتنی بالشرع؛ بحیث یحصل منهم الجدّ بالمعاملة العقلائیّة ، وعلیه فلم یُقدم المتعاملان إلاّ علی المعاملة الخاصّة، وأمّا الإقدام علی شیء آخر ـ کالضرر فی المقام ـ فلا.
وقد یقال فی الجواب عن الإقدام : بأنّ الاستدلال بالإقدام مستلزم للدور، فإنّ الإقدام علی الضرر إنّما یفید لو جعل ذلک قبل الإقدام، فلو کان منشأ الضرر الإقدام لزم الدور.
وفیه : أنّ الحکم بلزوم الشراء وهو الضرر فی المقام لیس من جهة الإقدام، بل الدلیل علیه نفس إطلاقات أدلّة الضمان، ولا یدّعی أحد أنّ الإقدام یوجب لزوم الشراء، بل المدّعی أنّ الإقدام یوجب عدم شمول دلیل نفی الضرر للمورد، فلابدّ من التمسّک بالإطلاقات والحکم بلزوم الشراء.
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 278