إشکال آخر وجوابه
وهنا إشکال آخر ذکره بعض المحقّقین أیضاً : وهو أنّ الغایة الواردة فی النبویّ تدلّنا علی أنّ موضوع الضمان هو الید الواقعة علی ماهو قابل للتأدیة، والمنفعة لیست کذلک، فإنّ المستوفاة أو الفائتة منها غیر قابلة لها، وهو ظاهر، ومجموع ذلک والمنافع الآتیة أیضاً کذلک، والمنافع الآتیة معدومة فعلاً، فکیف تقبل الأداء؟! ولو قلنا بالقابلیّة فیها، وکفایتها فی دخول المنافع تحت النبویّ، لزم الحکم بعدم الضمان لو استوفی مدّة منافع الدار، وأدّی مابعدها من المنافع إلی مالکها، فإنّ أداء المنفعة قد حصل علی الفرض. هذا محصّل کلامه قدس سره.
والجواب عن ذلک :
أوّلاً بالنقض : وهو أ نّه علی مسلکه قدس سره لابدّ من الالتزام بأنّ المنافع قابلة للتأدیة، فإنّ المنافع الآتیة المعدومة فعلاً یمکن فرض وجودها فعلاً، وبهذا صحّح تحقّق الاستیلاء علی المنافع، فإذا کان فرض وجود المنفعة کافیاً فی إمکان الاستیلاء، فلیکن فرضه کافیاً لإمکان التأدیة.
وثانیاً بالحلّ : وهو أنّ الغایة المأخوذة فی النبویّ لیست محدّدة للموضوع، بل هی غایة الحکم ورافعة له عند حصوله فقط، والمستفاد من النبویّ أنّ التسلّط
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 244 علی مال الغیر موجب للضمان، والرافع له الأداء، وأمّا القابلیّة للتأدیة وعدمها ـ بل نفس التأدیة وعدمها ـ غیر مأخوذین فی موضوع الحکم بوجه .
وبعبارة اُخری : أنّ المأخوذ غایة للحکم نفس التأدیة، لا إمکانها، فلو کانت الغایة محدّدة لموضوع الحکم لکانت النتیجة أنّ المال الغیر المؤدّی مضمون علی الید الآخذة له، والقابلیّة وعدمها أجنبیّتان عن هذا، ولازم ذلک عدم صلاحیّة الدلیل لإثبات الضمان فی شیء من الموارد، فإنّ المستشکل هو بنفسه ذکر فی أثناء کلامه: أ نّه لو اُخذ عدم الغایة قیداً للموضوع، فلابدّ من أخذه بنحو السلب بانتفاء المحمول، لا الموضوع، فإنّ الظاهر من القضیّة السالبة ذلک، وعلی هذا یکون معنی الروایة المال الموجود الغیر المؤدّی... إلی آخره، فالدلیل قاصر عن إثبات حکم الضمان عند تلف المال، فإنّ عدم الأداء وإن کان صادقاً فیه أیضاً، إلاّ أ نّه من جهة السلب بانتفاء الموضوع لا المحمول، ویعلم من ذلک أنّ الغایة لم تؤخذ محدِّدة للموضوع، وإلاّ لزم ماذکر، بل موضوع الضمان المستفاد من النبویّ هو التسلّط علی مال الغیر عدواناً، ورافعه الأداء.
ثمّ ذکر بعض المحقّقین بعد ذلک :
إن قلت : إذا اُخذت العین فقد دخلت فی العهدة بجمیع شؤونها، وهی حیثیّة شخصیّتها، وحیثیّة نوعیّتها، وحیثیّة مالیّتها، فللعین مراتب من العُهْدة وبحسبها مراتب من الأداء، وامتناع بعض المراتب لایوجب سقوط المراتب الممکنة، فکذلک المنفعة فقد دخلت بجمیع شؤونها، وامتناع أداء تشخّصها ـ لکونها تدریجیّة ـ لایوجب امتناع أداء سائر المراتب.
قلت : إنّ شؤون العین متقوّمة بها، فتلک الحصّة من الطبیعی غیر الحصّة الاُخری المتقرّرة فی فرد آخر مماثل لها؛ ضرورة أنّ الطبیعیّ من کلّ معنیً موجود
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 245 بوجودات متعدّدة، فإذا تلفت فقد تلفت بجمیع شؤونها، وعلیه فلابدّ أوّلاً من شمول الخبر للمأخوذ المعیّن بأداء نفسه، ثمّ ترتیب أحکامه من أداء مثله أو قیمته، والمنافع حیث إنّها غیر قابلة للأداء بنفسها، فلا یعمّها الخبر.
هذا ملخّص کلامه، ولکنّه خلط بین المسألة العقلیّة والعقلائیّة، فإنّ وجود الطبیعیّ فی کلّ فرد وإن کان مغایراً للآخر، ولذا لو تلف الفرد الأوّل لتلف بجمیع شؤونه وحیثیّاته، إلاّ أنّ هذا حکم العقل الدقیق. وأمّا العقلاء فیرون جامعاً مشترکاً بین أفراد الطبیعة الواحدة، ولذا لایقال: إنّ الإنسان یُعدَم ویوجد، بل یقال: إنّه باقٍ من لدن آدم إلی الآن، وقد تقدّم الکلام فی ذلک عند الکلام فی جریان استصحاب الکلّی مفصّلاً، فأداء الشیء بنوعیّته أو مالیّته، یعدّ نحو أداء له بنظر العقلاء وإن کان بالنظر الدقیق مغایراً له.
وعلیه فدعوی شمول الخبر للمنافع ـ فإنّها قابلة للأداء بحیثیّتها النوعیّة أو المالیّة ـ ممکنة.
ویمکن تقریب إشکال آخر بالنسبة إلی شمول النبویّ للأعمال والمنافع: بأنّ المنافع متصرّمة الوجود، ولایمکن الالتزام بأنّ العهدة مشغولة بمثل ذلک؛ لعدم تقرّر له، والقول بأنّ الثابت فی العُهْدة هو أمر ثابت متقرّر لایتمّ، فإنّ الید وقعت علی المتصرّم لا الثابت، فما هو تحت الید لایمکن اشتغال العهدة به، ومایمکن اشتغالها به لم یقع تحت الید.
وجوابه أیضاً ظاهر :
أوّلاً : هذا مبنیّ علی المبنی غیر الصحیح، وهو لزوم نفس العین فی العهدة لا ما ذکرناه من معنی الضمان من الأمر التعلیقیّ.
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 246 وثانیاً : لو سُلِّم ذلک المبنی فلایمکن الالتزام بأنّ الخارج یثبت فی الذمّة، وهذا ظاهر. فصاحب هذا المبنی یرید بذلک: أنّ الذمّة مشغولة بعنوان غیر قابل للانطباق فی الخارج إلاّ علی فرد واحد، ولایلزم أن یکون العنوان متصرّم الوجود کمعنونه، فالذّمّة مشغولة بالعنوان، وهو أمر ثابت، والمعنون بهذا العنوان وقع تحت الید، وهو متصرّم الوجود.
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 247