الاستشهاد بمشهورة أبی خدیجة
بل یمکن ا لاستشهاد علیٰ أنّ ا لمراد من ا لقضاء ا لمربوط با لقضاة غیر ما هو مربوط با لسلطان ، بمشهورة أبی خدیجـة قال : بعثنی أبو عبدالله علیه السلام إ لیٰ أصحابنا فقال «قل لهم : إیّاکم إذا وقعت بینکم خصومـة أو تدارؤ فی شیء من ا لأخذ وا لعطاء ، أن تحاکموا إ لیٰ أحد من هؤلاء ا لفسّاق ، اجعلوا بینکم رجلاً قد عرف حلالنا وحرامنا ، فإنّی قد جعلتـه علیکم قاضیاً ، وإیّاکم أن یخاصم بعضکم بعضاً إ لی ا لسلطان ا لجائر» .
فإنّ ا لظاهر من صدرها إ لیٰ قولـه علیه السلام : «قاضیاً» هی ا لمنازعات ا لتی یرجع فیها إ لی ا لقضاة ، ومن تحذیره بعد ذلک من ا لإرجاع إ لی ا لسلطان ا لجائر ، وجعلـه مقابلاً للأوّل بقولـه علیه السلام : «وإیّاکم . . .» إ لیٰ آخره ، هی ا لمنازعات ا لتی یرجع فیها إ لی ا لسلطان لرفع ا لتجاوز وا لتعدّی ، لا لفصل ا لخصومـة .
ثمّ قد تنقدح شبهـة فی بعض ا لأذهان : بأنّ أبا عبدالله علیه السلام فی أیّام إمامتـه ، إذا نصب للإمارة أو ا لقضاء شخصاً أو أشخاصاً ، کان أمده إ لیٰ زمان إمامتـه ، وبعد
وفاتـه وانتقال ا لإمامـة إ لیٰ من بعده یبطل ا لنصب وینعزل ا لولاة وا لقضاة .
وفیها ما لا یخفیٰ ؛ فإنّـه مع ا لغضّ عن أنّ مقتضی ا لمذهب أنّ ا لإمام إمام حیّاً ومیّتاً وقائماً وقاعداً ، أنّ ا لنصب لمنصب ـ سواء کان نصب ا لولاة ، أو ا لقضاة ، أو نصب ا لمتولّی للوقف ، أو ا لقیّم علی ا لسفهاء وا لصغار ـ لا یبطل بموت ا لناصب .
فمن ا لضروریّ فی طریقـة ا لعقلاء ، أ نّـه مع تغییر ا لسلطان أو هیئـة ا لدولـة ونحوهما ، لا ینعزل ا لولاة وا لقضاة وغیرهم من ا لمنصوبین من قبلهم ، ولا یحتاجون إ لیٰ نصب جدید .
نعم ، للرئیس ا لجدید عزل من نصبـه ا لسابق وتغییره ، ومع عدمـه تبقی ا لمناصب علیٰ حا لها .
وفی ا لمقام : لا یعقل هدم ا لأئمّـة ا للاحقین علیهم السلام نصب ا لإمام أبی عبدالله علیه السلام ؛ لأ نّـه یرجع إمّا إ لیٰ نصب غیر ا لفقهاء ا لعدول ، وإرجاع ا لأمر إ لیهم ، فمع صلاحیـة ا لفقهاء ا لعدول ـ کما یکشف عنها نصب أبی عبدالله علیه السلام إیّاهم ـ لایعقل ترجیح غیرهم ا لمرجوح با لنسبـة إ لیهم علیهم ، ولو کان عدلاً إمامیّاً .
وقد تقدّم : أ نّـه کا لضروریّ لزوم کون ا لوا لی عا لماً با لقوانین ، وا لجاهل لایصلح لهذا ا لمنصب ، ولا لمنصب ا لقضاء .
أو إ لیٰ إرجاعهم إ لیٰ ولاة ا لجور وقضاتـه ، وهو ظاهر ا لفساد ، کا لإهمال لهذا ا لأمر ا لضروریّ ا لذی تحتاج إ لیـه ا لامم ، ولا یعقل بقاء عیشهم إ لاّ بذلک ، فمن نصبـه ا لإمام علیه السلام منصوب إ لیٰ زمان ظهور ولیّ ا لأمر علیه السلام .
مضافاً إ لیٰ أنّ من ا لضروریّ فی ا لفقـه أنّ نصبـه باق ، ولازال تمسّک ا لفقهاء
بمقبولـة عمر بن حنظلـة لإثبات منصب ا لقضاء للفقهاء ، کما أنّ من فهم منها ا لأعمّ استدلّ بها لذلک ، وهذا واضح .
وهنا شبهـة اُخریٰ ، وهی أنّ ا لإمام علیه السلام وإن کان خلیفـة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وولیّ ا لأمر ، ولـه نصب ا لولاة وا لقضاة ، لکن لم تکن یده مبسوطـة ، بل کان فی سیطرة خلفاء ا لجور ، فلا أثر لجعل منصب ا لولایـة لأشخاص لا یمکن لهم ا لقیام بأمرها ، وأمّا نصب ا لقضاة فلـه أثر فی ا لجملـة .
وفیها : أ نّـه مع وجود أثر فی ا لجملـة فی جعل ا لولایـة أیضاً کما لایخفیٰ ـ فإنّ جعل ا لمرجع للشیعـة یوجب رجوعهم إ لیـه ولو سرّاً فی کثیر من ا لاُمور ، کما نشاهد با لضرورة ـ أنّ لهذا ا لجعل سرّاً سیاسیّاً عمیقاً ، وهو طرح حکومـة عادلـة إ لهیّـة ، وتهیئـة بعض أسبابها ، حتّیٰ لا یتحیّر ا لمفکّرون لو وفّقهم الله لتشکیل حکومـة إ لهیّـة .
بل هو زائداً علی ا لطرح بعثهم إ لیٰ ذلک ، کما هو واضح .
ولقد تصدّیٰ بعض ا لمفکّرین لطرح حکومـة وتخطیطها فی ا لسجن ؛ برجاء تحقّقها فی الآتی ، ووفّق بعضهم لذلک حتّیٰ فی عصرنا .
فا لرسول صلی الله علیه و آله وسلم عیّن خلفاء بخصوصهم ، وهم ا لأئمّـة ا لأطهار صلوات الله علیهم ، وفی نصبهم وتعیینهم مصا لح ، منها : تحقّق امّـة عظیمـة بلغت فی ا لحال ـ بحمد الله ـ عدداً کبیراً جدّاً .
بل ا لغا لب فی ا لعظماء من ا لأنبیاء وغیرهم ا لشروع فی ا لطرح أو ا لعمل من ا لصفر تقریباً ، فهذا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، قد قام با لرسا لـة ولم یؤمن بـه فی أوّل تبلیغـه إ لاّ طفل صغیر ا لسنّ عظیم ا لشأن ، وامرأة جلیلـة .
ولکن قام بأعباء ا لرسا لـة ونشر ا لدعوة عن عزم راسخ ، وإرادة قویّـة ، وقوّة قدسیّـة ، غیر آیس من حصول مقصده ، وجاهد وتحمّل ا لمشاقّ طیلـة حیاتـه ، حتّیٰ بلغ ا لأمر إ لیٰ أن نشر ا لإسلام فی ا لعا لم ، وبلغت عدّة ا لمسلمین ـ فی ا لحال ـ قریبـة من سبعمائـة ملیوناً ، وستزید إن شاء الله «وَالله ُ غَالِبٌ عَلیٰ أَمْرِهِ» .
وأبو عبدالله علیه السلام قد أسّس بهذا ا لجعل أساساً قویماً للامّـة وللمذهب ؛ بحیث لو نشر هذا ا لطرح وا لتأسیس فی مجتمع ا لتشیّع ، وأبلغـه ا لفقهاء وا لمفکّرون إ لی ا لناس ـ ولاسیّما إ لی ا لمجامع ا لعلمیّـة وذوی ا لأفکار ا لراقیـة ـ لصار ذلک موجباً لانتباه ا لاُمّـة وا لتفاتهم إ لیـه ، وخصوصاً طبقـة ا لشبّان ، فلعلّـه یصیر موجباً لقیام شخص أو أشخاص بتأسیس حکومـة إسلامیّـة عادلـة ، تقطع أیادی ا لأجانب من بلاد ا لمسلمین .
وا للازم علی ا لعلماء ا لأعلام وا لمبلّغین أیّدهم الله تعا لیٰ أن یقوموا بهذا ا لأمر ا لحیویّ ، ویزیلوا ا لیأس من قلوبهم وقلوب ا لطلاّب وا لمحصّلین وسائر ا لناس ، فإنّـه مبدأ ا لخمود وا لقعود عن ا لوصول إ لی ا لحقّ .